المخرج التسجيلي الشاب محمود سليمان:
تشكل ذوقي السينمائي وسط جمهور الترسو
سهام العقاد
حصدت أفلامه العديد من الجوائز الدولية والعربية، ابتعد عن أطر السينما التجارية والربح والرؤية السائدة في سوق العرض.
وضع يده علي جراح المجتمع فجاء فيلمه «يعيشون بيننا» بمثابة صرخة مدوية في وجه كل النظم والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الجائرة وضد الأحلام المهدرة والتفاوت الطبقي الرهيب الذي نعيشه.
إنه الفنان المدهش محمود سليمان أحد أهم شباب المخرجين الجدد، الذي وضعته أعماله ضمن قائمة كبار المخرجين، رغم أنه لم يتجاوز الثلاثين من عمره، إلا أنه قدم أعمالا تنبيء بميلاد علامة متميزة في سماء الفن السابع.
حول تجربته ورؤيته السينمائية وأعماله كان هذا الحوار:
كيف كانت البدايات؟
- يقول المبدع محمود سليمان: لقد بدأت بالكتابة القصصية، ولي ثلاث مجموعات نشرت الأولي عام 91 تحت عنوان «كائنات ليلية» التي فازت في مسابقة سعاد الصباح للإبداع العربي وطبعتها الدار بالاشتراك مع الهيئة، ثم أعيدت طباعتها عام 96 في مكتبة الأسرة، وصدرت المجموعة الثانية عام 2003 باسم «الألوان المتحدة» عن هيئة قصور الثقافة، والثالثة هي «شاحنة كبيرة جدا»، وقبل ذلك نشرت العديد من القصص في مجلات مختلفة منها «أدب ونقد»، وإبداع، والقاهرة، والحياة اللندنية والشرق الأوسط وغيرها.
سحر خاص
بدأت بالكتابة لأن أدواتها بسيطة، أما السينما فهي صناعة وحرفة، وأري أن هناك ارتباطا وتداخلا كبيرا بين السينما والكتابة، لأن العنصر البصري يلعب دورا جوهريا في الحالتين سواء في الكتابة أو الإخراج فكلاهما يكمل الآخر، لكن مازالت الكتابة لها سحر وبريق خاص لدي ولشقيقي الأكبر «إسماعيل» دور كبير في حياتي فقد تفتح وعيي من خلاله فهو شاعر، وفتح أمامي نوافذ الأدب والشعر والفن بشكل عام، لكنني كنت مولعا بالسينما وسحرتني حركة الصورة بوجه خاص وكنت دائما أشاهد كل الأفلام المعروضة في السوق مع جمهور الترسو.
رسوب متكرر وما حكاية الإخراج؟
- لقد أدركت منذ البداية ضرورة التحاقي بمعهد السينما، وبالفعل تقدمت ثلاث مرات، وفي كل سنة أجد نفسي راسبا تحديدا في الشفوي رغم اجتيازي جميع الامتحانات التحريرية، مما جعلني ألتحق بكلية التجارة وفي السنة الثالثة طالبني المعهد بشهادة ليست موجودة إلا في أوراقي بالكلية، وأخبروني إذا سحبتها فلن يكون لي الحق في العودة مرة أخري للكلية.. لم أتردد وجازفت بمستقبلي كله وسحبتها ولحسن الحظ قبلت هذه المرة.
وفي المعهد صدمتني الدراسة وعرفت كيف يتحول الفن من الخيال والوجدان إلي علم، وأعترف أنني لم أكن طالبا مجتهدا، كما أن المعهد لم يضف لي سوي أنه منحني فرصة الإخراج للمرة الأولي.
وقت مستقطع
يواصل المخرج محمود سليمان: لقد تخرجت في المعهد عام 97 - قسم إخراج - وخلال الدراسة أخرجت أول أعمالي «رمسيس الثاني» - 7 دقائق - حصل علي الجائزة البرونزية في مهرجان الإسماعيلية الدولي عام 93، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان فينيسيا.
ثم فيلم «وقت مستقطع» روائي قصير ونال أيضا جائزة شبل للإخراج السينمائي ومثل مصر في المسابقة الدولية في سبعة مهرجانات دولية منها فرنسا وألمانيا وواشنطن وأسبانيا، كما أخرجت «ابتسامة» «روائي قصير» من إنتاج المركز القومي للسينما لكنه لم يعرض حتي الآن.
يعيشون بيننا
أما فيلم «يعيشون بيننا» عام 2004، فقد حصل علي ثماني جوائز منها سبع جوائز دولية: أحسن فيلم تسجيلي في مهرجان الإسماعيلية الدولي، والأفضل في مهرجان كورتو ايمولا إيطاليا، وجائزة اليونسيف الأولي، وأخري بمهرجان بلباو السينمائي الدولي بأسبانيا والذهبية لمهرجان قناة الجزيرة بقطر هذا العام.
وأخيرا فيلم «النهاردة 30 نوفمبر» الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمهرجان القومي للسينما، والبرونزية في مهرجان الإذاعة والتليفزيون وشبل للإخراج السينمائي وأحسن ممثل للفنان خيري السمرة في مهرجان طنجة السينمائي الدولي بالمغرب، وأكثر الجوائز التي حصلت عليها وأسعدتني هي جائزة «جيرهارد ليمان» في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي بسويسرا.
كيف تفسر هذا الكم من الجوائز وأنت في مقتبل حياتك الفنية؟
- الجوائز لا تعبر إلا عن تقدير لجنة التحكيم، وما يهمنا أكثر هو الرأي العام سواء الجمهور أو المتخصصون، وعندما تتوافق الجائزة مع الرأي العام أشعر بالتحقق والرضا.
أزمة الإنتاج
هل واجهتك مشكلات في صناعة أفلامك؟
- كل المخرجين يواجهون الكثير من المشاكل في صناعة أفلامهم، وذلك لندرة جهات الإنتاج التي تنحصر في التليفزيون والمركز القومي للسينما، لكن لحسن الحظ بدأت مؤخرا قبل ثلاث سنوات حركة جديدة تسمي ب «السينما المستقلة» وبالفعل أنتجوا أفلاما كثيرة بتكلفة أقل، مما أحدث حالة من الرواج إلي حد بعيد، ولم تكن لي سوي تجربة وحيدة مع التليفزيون، لكنها لم تتكرر لأن هناك معوقات هائلة في التعامل مع هذا الجهاز وإجراءاته العقيمة.
لاحظنا أن الإنسان بصراعاته وأوجاعه هو محور أعمالك؟
- فعلا فأكثر ما يشغلني في الحياة هو الإنسان في لحظات ضعفه وانتصاراته، وفي نظري أن فيلم «يعيشون بيننا» يوضح نموذج الصلابة والعزيمة الإنسانية، والظروف اللاإنسانية التي يمكن أن تواجه الإنسان، وبطلة الفيلم امرأة من قاع المجتمع لكنها تطرح نموذجا مغايرا لما تطرحه وسائل الإعلام.
باختصار أنا مشغول بهموم مجتمعي بشكل عام والإنسان بخاصة سواء في الشرق أو الغرب أما «يعيشون بيننا» فمختلف في الإيقاع واللون، و30 نوفمبر جاء في قالب فانتازي، أؤكد أن هناك قاسما مشتركا في كل أفلام وهو الإنسان بكل آلامه وطموحاته، فأنا مستقل ومنتم لأفكاري وداخلي خليط من الأيديولوجيات.